عروس النيل - اسطوره لا اساس لها من الصحه
كان النيل وسيظل عنصر الحياة الأساسى لمصر وعندما قال هيرودت إن مصر هبة النيل لأن المصريين هم الذين روضوه وأقاموا عليه السدود وحفروا الترع لنقل مياهه وأقاموا حوله قراهم ومدنهم بل وقدسوه وجعلوا له الآلهة.. فهذا المعبود حابى الذى صوروه على هيئة رجل ضخم تجمع ملامحه بين الصفات الذكورية والأنثوية له أرداف وأثداء كبيرة رمز الخصوبة ويحمل مائدة قرابين عليها خيرات النيل من أسماك وزهور وطيور وفوق رأسه رمزى مصر البردى واللوتس وحابى هذا لم تكن له معابد ولا كهنة يقومون على خدمته فهو يعبد فى كل مكان وهذا المعبود سوبك فى هيئة التمساح والكبش خنوم والضفدعة حقت والمياه الأزلية نون.
وكانوا يسمونه فى لغتهم (أيتوروعا) وكلمة النيل نسبة للكلمة اليونانية نيلوس وذكر ديودور الصقلى أنهم أسموه أيجبيتوس نسبة لذكرى ملك مصرى ثم الملك نيلوس الذى شق الترع والقنوات واهتم بالنهر، وكان من شروط دخولهم الجنة أن يعترف الفرد أمام الآلهة فى محاكمة الآخرة أنه لم يلوث مياة النهر ولا يحبسه عن جاره، ونجد فى الخطابات الغريبة التى يرسلها الأحياء للموتى صيغة تهديد بالنسبة لهؤلاء الذين لم يطعيوا الأوامر الموجهة إليهم فلن ( يصب إليهم الماء المطهر) لتهديدهم. وكان ماء النيل عنصرا حيويا بالنسبة لتأدية القرابين هى قربان التطهير الأساسي ويطهر بمائه الملك والكهنة فى أوانى ذهبية قبل صلاتهم وأسمو الماء (مو)
وكان فى كل معبد بحيرة ماء للتطهير تسمى البحيرة المقدسة ليتطهر بها الكهنة قبل أى صلاة ومازال فى قرانا المصرية ترمى المشيمة التى تكون حول الطفل (الخلاص) فى ماء النهر أو أحد فروعه بل وبعضهم يأخذ الطفل ويغمسه فى مائة ليستمد قوته وخصوبته وحتى عند وفاة أحدهم تغسل ملابسه فى مياهه قبل أن توزع فهو يشهد البداية والنهاية.
وأطلق المصرى القديم على مائه وسبعين لفظا وأطلق على بلاده لفظ (تاكمت أى الأرض السوداء) وسكن المصرى حوله وشيد منازله وزرع أرضه وكون دولته حوله فى ظل وجود حكومة قوية مركزية لذا نرى أن دور أقدم ملك هو حسن توزيع مائه ونرى أقدم نقش للملك العقرب على مقمعة من العاج وهو يحمل فأس ويشق ترعة.
ولم يكتفى المصريين بتقديسه بل تعلموا منه الوفاء و أقاموا له عيدا خاصا به أسموه عيد وفاء النيل فى النصف الثانى من أغسطس فما هو وكيف بدأ وهل كانت عروس النيل حقيقة أم أسطورة ؟
نعود لعام ٤٢٤١ق. م ونشاهد الكهنة الفلكيين جالسين فى مرصدهم فى مدينة بر حعبى أى بيت الإله حابى وهى منطقة الروضة الآن ، وتقع بين مدينتى أون ومنف وهم ينظرون بأجهزتهم نحو السماء فى اليوم الخامس عشر من بؤونه وذلك قبيل شروق الشمس مباشرة ونراهم يهللون لرؤية نجمة الشعرى اليمانية التى أسموها سوبدة أو سوتيس وهى تشبه فى شكلها الجروة أى الكلبة الصغيرة أو فى هيئة أمراة تحمل ريشتين تلمع وتحترق فى السماء وهو ما يسمى بالاحتراق الشروقى وهذا يبشر بمجئ الفيضان حيث تبدأ سنتهم الجديدة طبقا لأول تقويم فى العالم وهو التقويم النيلى وهو يسبق التقويم الشمسى والقمرى ويحتفلون بعيد النقطة أى نقطة أيزيس ودموعها على زوجها أوزوريس حيث أعتقدوا أن النيل ينبع من نزول دموعها ثم ينتظرون إلى أن تلون مياه نهرهم باللون الأحمر من الطمى فى النصف الثانى من أغسطس ويبلغ ارتفاعه مياهه ستة عشر ذراع وهو الحد الكافى الأمن من المياه يقيسون ذلك بمقاييس محمولة عبارة عن عود بوص مرقم كان يحفظ فى المعبد أو مقياس حجرى مرقم بجوار المعبد يسمى مقياس النيل عندها يخرج الملك أو نائبه وكل الكهنه وكبار رجال الدولة وكل الشعب عن بكرة أبيه يحتلفون ويرقصون وينشدون أناشيد تسمى أناشيد النيل ويقذفون الزهور ويذبحون عجل أبيض وكذلك تماثيل صغيرة ذهبية وطينيه وخشبية للرب حابى إله النيل ليتزوج ويعود عليهم بالماء الوفير والخصب.
فقد كان النيل عماد حياة المصريين لذا نراهم كان يبالغوا فى الاحتفاء به وتقديسه فهو صانع حضارتهم ، ثم يتفرقون سريعا فليس هناك وقت حيث يشيدون السدود والخزانات حتى لا يدمر حقولهم فهو إن زاد دمر وإن قل أمات لذا كان لزاما عليهم أن يشيدوا السدود والخزانات للحماية وحفر وتطهير الترع لتوصيل المياه وكانوا يستغلون فيضانه لنقل البضائع والمسلات والأحجار لبناء المعابد والمقابر فهو الذي ساعدهم فى نقل ثقافتهم وأفكارهم وبضائعهم والتبادل التجاري مع جيرانهم وساعد هدوء رياحه على انتقال المراكب من الشمال للجنوب والعكس فكان وسيلة المواصلات الرئيسية وعامل الربط بين الأقاليم
ثم استمرت عادة الاحتفال بعيده فى العصر الإسلامى مع تغير الطقوس لتناسب الإسلام فبعد قياس النيل يوم ١٢بؤونه فى العصر العباسي تعم احتفالات خاصة أذا زاد عن ١٦ذراع وفى العصر الفاطمي يجتمع المشايخ بجوار جامع مقياس النيل فى الروضة لختم القرأن وصباحا يركب الخليفة لهم ويعلن بدأ العيد حيث تقام الأفراح فى البلاد لمدة ثلاثة أيام وأستمر الأحتفال فى العصر الأيوبي والمملوكى ووصفه المؤرخ بن أياس فى العصر المملوكي حيث تخرج دهبية السلطان من بولاق وهى متزينة بالزهور والأعلام حيث يستقبله الأمراء بالطبول واستمر حتى وقت قريب حيث تحتفل به فى النصف الثانى من أغسطس وذلك على مراكب نيلية وفى حضور كبار رجال الدولة فى القارب ذو الشكل الملكى ويسمى العقبة وكانت تدوى طلقات المدافع ويقوم مفتى الديار المصرية بعد أقرار شهادة كبار العاملين الرسميين بأن النيل قد وصل لمنسوب ٢٢ذراع وقيراطين وأنه القدر الكافى للزراعة والرى تعلن حجة وفاء النيل لجمع الضرائب.
أسطورة عروس النيل
أما بالنسبة لعروس النيل فهناك رواية اعتمدت كلها على رواية المؤرخ بلوتارك اليونانى والمؤرخ الإسلامى بن الحكم حيث ذكروا أنهم كانوا يختارون فتاة جميلة ويتم تزيينها ويلقونها فى النيل وأن هناك ملك عادل يحبه شعبه وعندما لم يجدوا فتاة مناسبة طلب منه أن يضحى بابنته الوحيدة وحزن عليها ولكن خادمتها كانت قد استبدلتها بعروس خشبية ولكنه حزن حزنا شديدا ،عندها أخبرته الخادمه بما فعلته ففرح وقرر عمل ذلك كل عام بإلقاء عروس خشبية كل عام ولكننا نعلم أن المصريين القدماء كانوا يقدرون الإنسان ولم يعرف عنهم تقديم أضحية بشرية لألهتهم. وأن هيرودوت أشهر مؤرخ زار مصر فى منتصف القرن الخامس ق.م وكتب كتابا عن مصر لم يذكر هذه الحادثة وقد نسجت هذه الروايات بعد غروب الحضارة المصرية
ونجد أن المصرى القديم سجل كل مظاهر حياته اليومية على جدران مقابره ومعابده لكنه لم يذكر أو يسجل هذه الأسطورة وهناك باحث فرنسى اسمه بول لانجيه ظل يبحث عن أصل لقصة عروس النيل ووصل إلى أنهم كانوا يلقون سمكة من نوع الأطم وهو نوع من السمك قريب الشبه بالإنسان ويسمى بإنسان البحر لأن أنثاه تتميز بشعر كثيف ووجهها أقرب لكلب البحر فكان المصريون يزينون السمكة بألوان زاهية ويزفونها للنيل ورغم ذلك تناولها الشعراء والأدباء والفنانين وتناولتها السينما فى الأفلام مثل فليم عروس النيل وفى النهاية إذا كان البعض يرى أنه لولا النيل لما قامت لمصر حضارة ولا كان للمصريين ذكر فى التاريخ نقول لهم أذكروا ما قاله المؤرخ أسترابون عندما زار أثيوبيا ذكر أن شعبها يعيش حياة خشنة ومتخلفه ولم تقم لهم حضارة تذكر رغم انها مثل مصر .
.