ألفتح الأسلامى لمصر
كان أغلب المصريين قبل الفتح الإسلامي يُدينون بالمسيحيَّة، ومنهم قلَّة ضئيلة تُدينُ باليهودية . في عام 639 ميلادية، قاد عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب جيشًا إسلاميًا قدِمَ من الشام واستطاع هزيمة الرومان الشرقيين في مصر والاستيلاء عليها عام 641 م، وقام بإنشاء مدينة الفسطاط وأصبحت ولاية إسلامية تابعة للخلافة وقاعدة لانطلاق الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا.
ولمَّا استقرَّت الأوضاع، وكانت أخبار العهدة العمرية الخاصَّة ببيت المقدس ومسيحيي الشَّام قد تسرَّبت إلى مصر، لقي المصريّون من الحُكم الجديد ما شعروا معهُ بكثيرٍ من الحُريَّة.
ولعلَّ أوَّل عملٍ قام به عمرو بن العاص بعد استقرار الأوضاع الداخليَّة؛ الإعلان بين الناس جميعًا أنَّ لا إكراه في الدين، وأنَّ حرية العقيدة أمرٌ مُقدَّس، فلن يُتعرَّض لِأحدٍ في حُريَّته أو في ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيَّرهم بين الدُخول في الإسلام والبقاء على دينهم، فمن يدخل في الإسلام يكون لهُ ما للمُسلمين وعليه ما عليهم، ومن يبقى على المسيحيَّة أو اليهوديَّة فعليه الجزية، ولا يُفرض عليه الإسلام بالقُوَّة. والواقع أنَّ عُمرًا انتهج سياسة المُساواة الدينيَّة بين المذهبين النصرانيين اللذين استمرَّا في مصر. وتذكر روايات المصادر أنَّ كثيرًا من كنائس الملكانيين بقيت موجودة واستمرَّت في إقامة الشعائر الدينيَّة وأنَّ عددًا كبيرًا من الملكانيين فضَّلوا البقاء في مصر؛ وأنَّ أُسقفًا ملكانيًّا بقي على مذهبه حتَّى مات لم يمسَّهُ أحدٌ بأذى، وأنَّ البطريرك القبطي بنيامين الذي عاد إلى الإسكندريَّة بعد أن قضى ثلاثة عشر سنة لاجئًا مُتخفيًا خشية أن يُقبض عليه، أُعيد إلى مركزه وأضحى بإمكانه أن يقوم بواجباته الدينيَّة وهو مُطمئن، وكان يستقطب الناس إلى مذهبه بالحُجَّة والإقناع، واستطاع أن يحصل على بعض الكنائس التي تركها الملكانيّون بعد خُروجهم وضمَّها إلى كنائس البطريركيَّة، ولمَّا عاد إلى الإسكندريَّة قال لِأتباعه: «عُدّتُ إِلَى بَلَدِيَ الإِسْكَندّرِيَّة، فَوَجَدْتُ بِهَا أَمْنًا مِنَ الخَوْف، وَاطمِئْنَانًا بَعْدَ البِلَاء، وَقَد صَرَفَ اللهُ عَنَّا اضطِهَادَ الكَفَرَةِ وَبَأسِهِم».
مسجد العطارين في الاسكندرية ، كان في الأصل كنيسة مسيحية، وتم تحويلها إلى مسجد في عام 641 عقب الفتح الإسلامي لمصر.
على الرغم من الاضطرابات السياسية، ظل السكان المصريين من المسيحيين بشكل رئيسي. إلا أن التحولات التدريجية للإسلام على مر القرون قد غيرت مصر من دولة ذات أغلبية مسيحية إلى بلد مسلم بحلول نهاية القرن الثانى عشر خلال حقبة المماليك.
وبحسب المؤرخ روبرت ب. بيتس، مع الفتح الإسلامي لمصر تم إستبعاد الأقباط تدريجياً من قبل المسلمين. وعلى الرغم من معاناة المجتمعات الارثوذكسية المشرقية ، فقد إستطاعت المحافظة على عقيدتها وثقافتها المسيحية وتشير مصادر مختلفة إلى فترات من التمييز والاضطهاد للأقباط خلال العصر المملوكى والعثمانى والتي شملت إغلاق وهدم الكنائس والتحويل القسري إلى الإسلام
ومَنع المسيحيين من ركوب الخيل ومزاولة بعض الأنشطة التجارية والاقتصادية أو الإقامة في دور مرتفعة، ومن إطالة شعرهم وأمرهم بارتداء ألبسة مميزة صفراء اللون وعسلية الأكمام، ورفض شهادتهم في المحاكم وحرمانهم من حمل السلاح.
وتشير الموسوعه الامريكية أن أبرز موجات اضطهاد الأقباط كانت خلال العصر الفاطمي في القرن الحادى عشر والعصر المملوكي.
وبحسب المؤرخ كورت جي. ويرثمولير ويعقوب ليفي لم يكن تحول الأقباط إلى أقلية تدريجياً بل حصل بسبب موجتين من التحول أولها بعد "القمع الوحشي" للثوار الاقباط فى القرن التاسع ، والموجة الثانية خلال حقبة المماليك والتي تم فيها حملة اضطهادات للمسيحيين وتوفير الزخم الشعبي للعنف ضد المسيحيين.
وهي أيضاً حقبة شهدت موجات كبيرة من التحول القسري إلى الإسلام وفقاً لمصادر مختلفة.
ويشير المؤرخ كورت جي. ويرثمولير أنه في الحقبة الإسلامية المبكرة تعرض المسيحيون إلى ضغوطات إجتماعية واقتصادية ودينيَّة، وكان التحول إلى الإسلام من بين هذه الضغوطات، وفرصة مغرية للكثيرين للحصول على منافع اقتصادية ووظائفية.
وتشير مصادر أنه بعد نهاية فترات الاضطهاد، أعداد كبيرة من المتحولين الجدد إلى الإسلام عادت إلى الديانة المسيحية، خصوصاً من سكان القرى النائية وممن أجبروا على التحول إلى الإسلام.
بالمقابل وفقاً لتاريخ أفريقيا العام التابع لمنظمة اليونيسكو، فإن معاناة الأقباط من حين لآخر من اضطهاد بعض الولاة المتعصبين وإجبارهم على التحول الديني كانت حالات استثنائية وليست قاعدة عامة، وتمتعوا بحرية دينية كبيرة خصوصا في العصرين الفاطمي والأيوبي، وشغل الأقباط وظائف كثيرة في جهاز الدولة.
ويشير المصدر أن عوامل شتى أدت إلى تحول مصر إلى دولة مسلمة خلال حقبة المماليك منها التحول الصادق، والمنافع الضريبية والإجتماعية، والاضطهاد، وضعف مكانة الكنيسة، وهجرة المسلمين القادمين من دول أخرى إلى مصر.
ويقول الخبير الإقتصادي جورج قرم أنه على الرغم من وجود ميل إلى استخدام تلك السمات المميزة أو الجزية كوسيلة لنشر الإسلام، إلا أن الحاضرة الإسلامية -وطبقاً لتعاليم القرآن- لم تمارس قط الاضطهاد الديني المباشر، ولم يتم فرض الشعائر الدينية أو المواعظ الإلزامية لحث غير المسلمين على اعتناق الإسلام.
ووفقاً للموسوعة البريطانية ومع وجود استثناءات قليلة وبالتالي معروفة، كان حكام مصر المسلمين نادراً ما يتدخلون في حياة رعاياهم المسيحيين واليهود طالما أن هذه الجماعات دفعت الضرائب الخاصة (المعروفة باسم الجزية) التي فرضت عليهم مقابل حماية الدولة.
في الواقع، كان كل من الأقباط واليهود يعملون دومًا في البيروقراطية، وأحيانًا في المناصب الإدارية العليا. وفقاً للموسوعة البريطانية حتى الحملات الصليبية فشلت على ما يبدو في إفساد التوازن الدقيق بين المسلمين والمسيحيين، وليس هناك أي دليل على أن المسيحيين المحليين قد تم تحميلهم مسؤولية الحملات الصليبية في مصر، إلا أن ذلك الوضع تغير نسبياً بعد مجئ حكم المماليك، والذي شهد تسارع في عمليات تحولات الأقباط إلى الإسلام خوفاً من الاضطهادات.
.